لقد ارتبط
مصطلح الزوايا كثيرا بالطرق الدينية الصوفية التي عرفتها بعض الدول العربية
الإسلامية ، ومن بينها الطريقة التيجانية التي اشتهرت بكثرة زواياها في العديد من
البلدان العربية و الإفريقية الإسلامية، وقد أسندت للزوايا عدة مهام تتمثل في إيواء
الغرباء
و المساكين و الضيوف و لإطعامهم ، و إقامة الصلوات
الخمس ، و تلاوة القرآن الكريم
و تحفيظه ، ذكر الوراد التيجانية . و أخيرا تعليم
النشئ اللغة العربية و علوم الدين المختلفة .
وقد ظهرت
الطريقة التيجانية في الغرب الإسلامي في الريع الأخير من ق . 18 .
و
مؤسسها هو الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد ابن المختار بن سالم التيجاني ولد سنة
1150هـ / 1737 م
. و هو تجاني نسبة إلى قليلة بالقطر الجزائري يقال لها تجانة . و أهل هذه القليلة
هم أخوال الشيخ أحمد التيجاني غلبت عليه النسبة لهم ، أمه هي السيدة عائشة بنت أبي
عبد الله سيدي محمد بن السنوسني الماضوي التجاني
أما
والده محمد بن المختار كان شيخ زاوية ، توفي هو و زوجته والدة الشيخ في يوم واحد
أيام الوباء عام 1166 هـ ، و كان سن أحمد التيجاني أنداك ستة عشر سنة .
أما عن قبيلته
الحقيقية راضي الله عنه فهي أن أجداده و أسلافه كانو مقيمين بالمشرق ثم هاجر البعض
منهم إلى المغرب الأقصى و سكن في عبدة القبيلة المعروفة في المغرب الأقصى من عمالة
مدينة آسفي و هم شرفاء سباعيون حسنيون ثم انتقل جد الشيخ و هو "محمد فتحا بن سالم" من المغرب
الأقصى إلى المغرب الأوسط وسكن في عين ماضي
و تزوج تجانة
فانتسب أولاده إليها فصار يطلق عليهم التجانيون ، نشأ
في وصيانة و تقوى وديانة مشتغلا بالقراءة و حفظ القرآن ، وهو ابن سبع سنوات ، و
توجه لطلب العلوم الظاهرة، فقرأ النحو و الصرف و اللغة و البلاغة و المنطق الأدب ،
العروض ، التوحيد ، الفقه، التفسير ، الحديث و الصول لدرجة قيل عنه :
فأصبح عين
القول و القول قوله ، ولا أحد في الناس يبلغ قدره . ثم مال أحمد التجاني إلى طريق
الصوفية وكان عمره إحدى و عشرين سنة و ذلك في عام 1171 ، و بعد ذلك قام الشيخ
بأداء فريضة الحج إلى بيت الله الحرام ، و هو في السادس و الثلاثين من عمره ، ثم
قام بعدة جولات زار خلالها زوايا كثيرة في القاهرة و تونس ، ثم انخرط في سلك الطريقة القادرية ، ثم انتحل إلى
الطريقة الناصرية ثم توجه مرة أخرى إلى فاس حيث بدأ ينشر الآراء التي عدت فيها بعد
أساس طريقته و قبل إعلانه ميلاد هذه الطريقة خلال مدة للتعبد حتى ترآى له النبي
صلى الله عليه و سلم و امره أن يترك الطرق الصوفية التي كان يتبعها ، و يصبح خليفة
للرسول مستقبلا .
و في عام 1196 هـ / 1781 م "وقع له الإذن من
الرسول صلى الله عليه و سلم يقظة لا مناما بتربية الخلق على العموم و الإطلاق و
عين له الورد الذي يلقنه " و قد حدث ذلك في قرية أو بلدة بوسمغون و التي توجد
بها واحدة من بين أهم الزوايا التيجانية ثم
عاد الشيخ إلى عين ماضي حيث أسس الزاوية الأم . وظل ينشر الطريقة ، و يأذن في
الأفراد متنقلا بينها و بين البلدان . الشيء الذي جعل من التيجانية قوة حقيقية ،
أدت إلى قلق و خوف الحكومة التركية و شن حملات عسكرية على عين ماضي و فرض اتاوة
على الشيخ التجاني و اتباعه . مما جعل هذا الأخير يرحل نهائيا إلى مدينة فاس ، و
يقيم زاوية بها سنة 1213هـ/1793 م حتى وافته المئة سنة 1230هـ/1815م
و طيلة المدة
التي قضاها في مدينة فاس ، كان يلقي الدرس العلمية و يسلط الأضواء على ما يطرحه
السائلون من قضايا مختلفة دينية و دنيوية ، و أملى تعاليمه الإسلامية على تلميذه
علي حرازم برادة و تلميده محمد المشري ، وقد دون الأول ما سمعه من شيخه في كتابه
جواهر المعاني في فيض سيدي أبي العباس التجاني وهو كتاب الطريقة الأصل و هذا ما
أعطى شحنة قوية لإنتشارها و ديوعها بفاس في زمن قياسي حيث نها فيها عدد من الأشخاص
الذين يمكن الإعتماد عليهم بتزكية من الشيخ لتعيين المزيد من المسؤولين في أفق
تعليم الناس أوراد الطريقة و أذكارها .
و هذا ما كان سببا في ظهور عدد مهم من
المقدمين موزعين على مختلف أنحاء مدينة فاس وخارجها . حققوا نجاحا بينا في مهامهم
لكن دون الوصول إلى الشيخ أحمد التجاني الذي يبقى عندهم هو القطب المكتوم و الوارث
المحمدي المعلوم ، ذلك أن هذه الطريقة ذات مشرب ابراهيمي تحث على كمال التعلق بما
سواه . فمن تمام عبودية سيدنا ابراهيم عليه السلام لله و أدائه لحقوق الربوبية أنه
لما أدرج في المنجنيف ليلقى به في النار قال له المين جبريل عليه السلام بعدما
أعرض عن ملك الرياح و ملك الأمطار :"الك حاجة" ؟ فأجابه عليه السلام :" أما إليك فلا و أما
الله فبلى" فقال له الأمين جبريل عليه السلام : "فسله إذن" فقال :
" حسبي من سؤالي ، علمه بحالي . فهي طريقة تهيئ الإنسان عبر التخلق بالأخلاق
الحسنة إلى سلوك الصراط المستقيم الذي لا ننفك عن طلبه من الله تعالى بقولنا "اهدنا الصراط المستقيم" .
و ما من شك في أن الأخدين عن الشيخ
التيجاني و المشمولين بإشعاع طريقته من فاس حتى إقيلم سمارة يزيد عنهم .
إن انتشار تعاليم الطريقة التجانية في كل جهات
المغرب لم يكن يتم بتلك السرعة القياسية ولا ليشمل تلك المساحات الشاسعة عبر طول
البلاد و عرضها، في غياب صفوة من الفعاليات التي امتازت بجلبها للطريقة و لشيخها
سمعة طيبة، مما كان وراء تناسل الزوايا التيجانية و تكاثرها في كل المدن و القرى
المغربية بدون استثناء .
انتشار تعاليم الطريقة
التيجانية في السودان الغربي
على عكس ما يمكن أن يتباذر إلى الذهن
من وجود صعاب و عراقيل في طريقة انتشار تعاليم التجانية ، بسبب اكتساح التصوف
القادري للميدان هناك منذ عدة قرون ، فإن الدعوة الى الإنخراط في فكر التصوف
التجاني لقيت تجاوبا ملفتا للنظر خلال القرن التاسع عشر، بل نرى من جهتنا أن
القادرية كانت عامل يسر أكثر مما كانت عامل عسر بالنسبة لإشعاع تعاليم التجانية في
المنطقة ، لأن منابع التصوف و هي كتاب الله وسنة رسوله، و محبة نبيه ، و الفرق
الوحيد الموجود يتجلى في شيوخ الطرق الصوفية ، و هذا شيء طبيعي ، فكما أن الأنبياء
ليسوا على مرتبة واحدة ، فالأولياء كذلك مراتب و درجات ، وكل واحد منهم يصطفي
لأتباعه مجموعة من الأذكار و الأوراد وتكون خاصة بطريقته ، و حيث إن مصدر الشرائع
هو الحق تبارك و تعالى و مقصود الشرائع واحد ، فلا يضر التشابه الموجود فيها ، و
هنا لا علاقة بتفصيل أذكار وأوراد على أخرى ما دام المتبع واحد ، و لكن الأمر يتعلق بقدرة شيخ الطريقة على
الإقناع بخصوص سنية تعاليم طريقته التجانية لكسب سمعة طيبة . إذن ما هو دور الحاج
عمر في انتشار الطريقة التيجانية ؟
انتشرت
الطريقة التجانية في شمال إفريقيا في حياة المؤسس ثم وصلت إلى مكة مع الحجاج
القادمين من المنطقة المذكورة . و في العاصمة المقدسة ، التقى أحد دعاة الطريقة ،
الشيخ محمد الغالي ، بشاب من إفريقية الغربية يدعى عمر بن سعد و أثمر اللقاء عن
اعثناق هذا الأخير الطريقة التجانية أو بالأصح عن تجديد أخذ الورد من مصدر مضمون .
و عمر هذا ناشر الطريقة في السنغال و بعض المناطق المجاورة .
وقد ولد عمر بن سعيد الغوتي ببلدة حوار
بمنطقة فوتاتور عام 1212هـ /1795م و توفي في سنة 1281 هـ/1864 م
تربى
الغوتي في أسرة أحبت العلم، واختارت الإسلام عقيدة لها و قاومت الوثنية ،
حفظ القرآن ، درس اللغة العربية و علوم القرآن ، ثم تفقه في المذهب المالكي . ثم
مال الى طريقة الصوفية ولازم الشيخ مولود، فال الشنقيضي و الشيخ عبد الكريم الناقل
من فوتاجلون (غيتيا) ، و أخذ عنهما الورد التيجاني .
و في سنة 1827 م حج الشيخ عمر إلى بيت
الله الحرم حيث التقى بمحمد الغالي وقال الشيخ عمر عن أستاذة :"سلمت له نفسي
و مالي و ألقيت إلي القيادة وبقيت أخدمه
ثلاثة سنين وجددت الأخذ عنه و لقنني الأذكار اللازمة و نظمني في سلك أهل الطريقة
ولم يزل يلقنني الأذكار و يعينني بالأسرار و اكتسبت منه الأنوار على وفق الشريعة و
الحقيقة .
نظرا لكل ما
سبق عمل وهو يتنقل بين مكة و المدينة على استغلال الفرصة لزيارة بلاد الشام و مصر
لاستكمال معرفته في مختلف العلوم الإسلامية ، فصار معروفا في الوساط العلمية والدينية
بسبب أنشطته الفكرية المتواصلة خصوصا الصوفية منها ، و بسبب ذيوع أخباره في المشرق
العربي داعية مخلصا للطريق التجانية ، غادر الحاج عمر القاهرة في اتجاه الحجاز،
قبل بداية موسم الحج سنة 1829
م حيث أدى فيها مناسك الحجة الأخيرة ، ليغادر مكة والمدينة
بصفة نهائية و هو على أهبة الإستعداد للعودة إلى بلاده بالحصول على التتويج الذي
كان يطمح إليه ، و الذي جعل منه شيخا للطريقة التجانية وفقيها عارفا بالله في
السودان الغربي ، و هما لقبان لم يسبق لأحد من قبله أن جمع بينهما في إفريقيا
الغربية و هذا ما جعله مدعما بقوة ربانية لا تصد و دخيرة لا تنفذ سيظهر أثر مفعولهما
الإيجابي في مختلف مراحل حركات الحاج عمر الإصلاحية في آعالي نهري النيجر والسنغال
بعد الرحلة التي قام بها في كل بلاد ماسينا وسكوطو،حيث ان سمعته الطيبة تسبق
صاحبها في كل ما حل و ارتحل .
لقد حققت حركة الحاج عمر نجاحا كبيرا بسبب استخدامه العنف ضد الوثنية،
واعتباره أتباع الطريقة القادرية أعداء له و تحول الكثير منهم الى التيجانية وحفظه
للقرآن الكريم أكسبه حيبة كبيرة عند الأفارقة و ظهور مراكز لها زعمات و تنظيمات
جديدة تهدف الى مراقبة و تأطير الأتباع لترسيخ جدور الطريقة التيجانية .
تعليقات: 0
إرسال تعليق