العنف الديني والمقاربة الأمنية
كشفت الأحداث في السنوات الأربع الأخيرة عن عمق
أزمة الدول العربية، فقد أفضت سيرورة ما عرف بالثورات العربية إلى تحولات كبرى، من
أهمها تنامي العنف الديني والمجتمعي، الأمر الذي ينذر بمخاطر كبرى ونحن نشهد ما
تتعرض له مؤسسات الدولة من انهيارات في كل من سوريا والعراق وليبيا واليمن.
والخطير إن الجيوش العربية لم تستطع لحد الآن الحد
من تهديدات وهجمات التنظيمات الجهادية والحركات المسلحة، وهو ما جعل منطقة الشرق
الأوسط والمغرب العربي منطقة غير آمنة، ومن الممكن أن تنفجر في أي لحظة الأمر الذي
يعطي فرصة ذهبية لهذه التنظيمات للتغلغل داخل بلدان أخرى.
وأمام تنامي هذا العنف الذي بات يهدد الأمن المحلي
والإقليمي والعالمي، تنامى في المقابل الاهتمام الدولي بمخاطر الإرهاب وبدأ
التفكير حول كيفية منع تنامي هذا العنف المنتشر في الدول العربية، والسؤال حول
ذلك: هل يمكن للأمن المادي/العسكري أن يحقق أو يحافظ على الأمن بمفهومه الاجتماعي؟
ما حدود وجدوى هذه المقاربة الأمنية في مواجهة عنف الارهاب وتهديدات الجماعات
المتطرفة؟ وعن أي أمن نتحدث أمن المتجمعات كما تدعي الأنظمة؟ أم أمن هذه الأنظمة
ذاتها؟.
الجواب عن هذا السؤال الشائك يمكن تلمس الإجابة
عنه من واقع الدول العربية في ظل المقاربة الأمنية المفروضة ضد عنف الجماعات
المتطرفة، إذ رغم كل المساعي الاقيليمية والدولية لكبح جماح التنظيمات الإرهابية
وعسكرة هذه المساعي بغية اجتثاث العنف إلا أنها لم تفلح في ذلك، إذ ما زالت هذه
التنظيمات تعيث فسادا وما زالت وتيرة العنف الديني والمجتمعي في تزايد مخيف داخل
الجغرافيا التي تدين بالإسلام. فواقع الدول العربية زاد تشرذما وانفصالا واقتتالا
بعدما أصبحت أوضاعها غير آمنة، بسبب انتشار الأسلحة وكثرة الجماعات المسلحة
التكفيرية المسكوت عنها في تاريخنا.
وأمام ضعف الأنظمة العربية والتنامي المفرط لهذه
الجماعات التي أخرجت الطائفية المتجذرة في البناء الاجتماعي والثقافي والسياسي،
وتزكية الموروث الديني الطائفي والمذهبي من قبل بعض الأنظمة الناتج عن التغيرات
الإقليمية خصوصا بين السعودية وإيران، بات جليا أن المقاربة الأمنية لأزمة الشعوب
العربية لم تجدي ولن تجدي نفعا، وبات جليا أن العنف لا يقضي على العنف، وأن عنف
الأنظمة وحده غير كاف لرد عنف الجماعات التكفيرية المسلحة.
تبرهن الهجمة غير المسبوقة للعنف الديني برأسماله
المادي والرمزي التي تمثله كل الجماعات التكفيرية والجهادية كداعش والنصرة
والقاعدة... على خلاصة أولية مفادها أن المقاربة الأمنية أثبتت فشلها في توفير
الأمن والاستقرار للمجتمعات المنكوبة بل على العكس زادت من حدة أزمتها.
تستدعي هذه الأزمات والانفجارات إلى جانب المقاربة
الأمنية المرتبطة بالضرورة بأمن المجتمعات واحترام المعايير الكونية لحقوق
الانسان، تسريع عملية تحديث الدين وتحييده ومنع توظيفه السياسي الطائفي من قبل
الأطراف المتنازعة عليه، فالمقاربة الأمنية وحدها غير كافية لمعالجة عنف الجماعات
ما لم يتم نهج مقاربة اجتماعية وحقوقية وثقافية تروم:
انخراط الدول العربية في عملية تغيير وتحديث لبنى
الدولة والمجتمع والدين.
الاستجابة للمطالب الاجتماعية وتحقيق العدالة
الاجتماعية
الانخراط في إصلاح التعليم الديني وتحديث وتجديد
الفكر الديني عموما، وتخليصه من الجذور الطائفية والعنصرية القبلية وقبول الآخر
المختلف.
إعادة نظر الأنظمة في سياساتها الإقصائية
والاستبدادية وتغييب العدالة الاجتماعية وقمع الحريات وفشل التحديث الديني
والمجتمعي بتبني سياسة ديمقراطية تقبل الجميع.
التخلص من التدخل المفرط للقوى الأجنبية في الشأن
الداخلي للدول العربية الذي ما زادها سوى التفرقة والتشرذم.
وهناك العديد من المداخل يمكن اعتمادها كبدائل
ناجعة لمواجهة عنف الجماعات التكفيرية، وتجفيف منابعها الفكرية والسياسية
والاجتماعية، فالمقاربة الاجتماعية والحقوقية إلى جانب المقاربة الأمنية يمكن أن
تشكل حلا للحد من عنف الجماعات، وتحقيق الأمن والاستقرار للمجتمعات.
تعليقات: 0
إرسال تعليق