التجربة الصوفية كمجال للدراسة
على مر تاريخ البشرية شكل حضور الديني واحدا من أهم
المظاهر التي رافقت مسيرة البشرية في تطورها، سواء في المرحلة التي ارتبطت بتعدد
الآلهة أو مرحلة نشدان الإله الواحد، حيث ظلت الفكرة الدينية لصيقة بالانسان، تصوغ
له الاطار العقدي والنظري والمعرفي الذي سيمثل له بشكل أو بأخر إطاره الوجودي،
ويحدد له علاقته بالوجود والطبيعة والحياة، في خضم هذه التركيبة الفكرية والثقافية
الذي شكل الدين جزءا جوهريا فيها عمل –الدين- كموجه أساسي لمسار التاريخ الانساني.
شكلت دراسة الدين والنسق الديني والجماعات الدينية وكذا
الشعائر والطقوس حقولا معرفية غاية في الأهمية والعمق داخل مجال العلوم الانسانية،
فبالاظافة الى العلوم الدينية اهتمت الفلسفة وعلم النفس والسوسيولوجية وكذا
الانتروبولوجية بدراسة الدين، فتعددت الدراسات والأبحاث وأصبح الدين محور اهتمام
لدى الكثير من الباحثين، وذلك لما يحتويه الدين ليس فقط من عوامل التشويق وما
ارتبط بالغيب ولكن لأن الدين أيضا يخاطب الجانب الانساني الروجاني العميق في
التكوين البشري.
وقد شكلت التجربة الصوفية بكل أبعادها ومبادءها
ومعتقداتها وكذا أنماطها السلوكية وأنساقها المعرفية أحد المداخيل الأساسية
والجوهرية في دراسة الموضوعات الدينية، فالتصوف بجانبيه الظاهر/ الباطن يعكس في
الأصل التجربة الروحية التي يمر بها المريد في حياته الروحية، وهي تجربة ذاتية
ذوقية قائمة على الكشف، وقد ارتبطت بهذه التجربة بعض المظاهر نحو العزلة
والوحدانية وهجر الدنيا ومتاعها والعكوف على المجاهدة داخل الزوايا والجبال
والمغارات، الأمر الذي حد ببعض الباحثين إلى اعتبار التجربة الصوفية قد تبنت
القطيعة مع الواقع والتاريخ وإيثار التعبد بعيدا عن الخلق وحياتهم الدنيوية.
فالتجربة الصوفية هنا تمثل تجلي للمقدس وأساسا في
دراسته، فالتجربة الصوفية في تكثيفها الطقوسي تشكل مجالا خصبا للدراسة، فالطقوس
والرموز داخل التجرية الصوفية يشكلان أساس البحث في المقدس والمتعالي وعلاقته
بالمدنس، فقد اشتملت التجربة الصوفية على أهم عناصر المقدس الديني.
تعليقات: 0
إرسال تعليق