مدخل الى الكتابة
المناقبية المؤلفة في أولياء الصوفية
يندرج هذا المقال في دراسة نوع من أنواع الفكر الديني التاريخي
التي أفرزتها الحضارة العربية الإسلامية، سواء في مشرقها العربي أو في غربها
الإسلامي، والمقصود هنا ما اصطلح على تسميته بــ «أدب المناقب».
يتطلب البحث في هذا النوع
من الكتابة الإجابة على كثير من التساؤلات التي تفرض نفسها بإلحاح من قبيل: ما
المقصود من عبارة أدب المناقب، وهل هناك تعاريف محددة لهذا النوع من الكتابة؟ ما
علاقته بالتاريخ؟ متى وكيف وأين ظهر هذا النوع من الكتابة؟ وما العوامل التي ساعدت
على ظهوره وازدهاره؟ وكيف تلازمت ولادته مع ظهور رجال اتسموا بالصلاح والولاية؟ ما
موضوعه، وما منهاجه، وما طبيعة القضايا التي يطرحها؟ كيف يمكن تحليل هذا النوع من
الكتابة وما الطرق المنهجية الكفيلة بتحليله وتركيبه وتقريبه إلى القارئ؟...
أسئلة كثيرة يطرحها موضوع
أدب المناقب، لكن الإجابة عنها تستوجب بحثا مستقلا، والمقام هنا يفرض علينا عدم
البحث في الكثير من قضايا وإشكالات هذا النوع من الكتابة، لذا سنحاول هنا الاقتصار
على إعطاء صورة عامة حول طبيعة الكتابة المنقبية.
في القرن الثاني عشر
الهجري، وصل فن كتابة المناقب أوجه وتمامه، فقد «حظي رجال التصوف وأرباب الزوايا
بالمغرب بشتى أصناف التجلة والتبجيل من قبل الحكام والمحكومين على حد سواء لأجل ما
اضطلعوا به من المهام الحيوية لصالح المجتمع والدولة منذ العهد المريني، فألفت
فيهم كتب أسهبت في ذكر مناقبهم وآثارهم وكراماتهم، وهي الكتب التي اصطلح على
تسميتها بــ أدب المناقب»().
إن لكتب المناقب وكذلك
التراجم أهمية كبرى في مجال التاريخ، ويعود تاريخ ظهور هذا النوع من التأليف إلى
العصر العباسي، إلا أنه في المغرب الأقصى شهد ازدهارا وتطورا ملحوظا منذ القرن
العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي نتيجة اهتمام المؤلفين بهذا النوع من التأليف،
وكذا انتشار التصوف الطرقي في المغرب، إضافة إلى تلك الحركات الجهادية التي قادها
ضد العدو الأجنبي رجال اتسموا بالتقوى والصلاح بغية إصلاح الأوضاع العامة ببلاد
المغرب الأقصى، وعلى العموم فقد احتفظت كتب المناقب إلى جانب كتب التراجم، بأسماء
عدد كبير من الأولياء والصلحاء، كما دونت تدخلاتهم لحل الكثير من القضايا سواء
السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي شهدها المغرب خصوصا تلك المراحل التي
شهدت ضعف السلطة المركزية وعدم سيطرتها على أمور البلاد.
وعلى العموم فكتب المناقب
من «المؤلفات العربية التي تضم الكثير من المعلومات عن الأحوال السياسية
والاجتماعية والأدبية التي سادت العالم الإسلامي... وهي تعتبر من المؤلفات
التاريخية بل هي أثبت صور التعبير التاريخي وأشهرها»(). فالنص المنقبي نص مفتوح على الدوام، قابل لإضافات لا تنتهي من التاريخ
والأدب والأخلاق... كما أنه «لا شيء ينفي أن تكون نصوص وضعت للمناقب وثائق لا غنى
عنها لجوانب معينة من التاريخ، ومناجم لمواد صالحة للاستعمال التاريخي في جوانب
أخرى على أساس نقد يتناول مواقفها، ولا شيء ينفي كذلك أن تستدعي نصوص موضوعية
للتاريخ، اصطلاحا، تناولا يستكنه روحها المنقبية، وقد تكون في كثير من الأحيان
أخفى من التاريخ في أدب المناقب الصريح»() .
إن انفتاح النص المنقبي
لا يقف عند حد الاتصال الوثيق بالتاريخ، بل يتعدى ذلك إلى مجالات معرفية أخرى، فهو
يبدو مسترسلا ومتنوعا يتخلله شيء من التداعي يسمح له بالانتقال بين مجالات معرفية
متباينة، مما يجعله يحمل في طياته العديد من الاستشهادات المختلفة من قبيل:
الأحداث والوقائع التاريخية، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والحكم
الأخلاقية، والأقوال الفلسفية، كما قد نجد المؤلف في كثير من الأحيان يضمن نصه
نصائح تفيد ضرورة الاقتداء وأخذ العبرة. فالمهتمين بهذا النوع من التأليف قد غلفوا
آراءهم وتصوراتهم بكل ما لذ وطاب من الأمثال والأقوال والحكم والحكايات، وألبسوا
لغتهم حلة قشيبة متنوعة حتى لا يمل القارئ.
على الرغم من انفتاح النص
المنقبي على مجالات معرفية متنوعة، إلا أن مختلف هذه المجالات تتحول إلى مجرد
أدوات في خدمة ما يسعى إليه النص المنقبي –وهو التعريف بالمؤلف فيه
وذكر مناقبه- دون أن ينتمي لأي واحدة منها، فالمؤلف في هذا النوع من الكتابة يسعى
إلى إبراز مثال «شيخ» ينبغي الاحتذاء به، وذلك من خلال إبراز سيرته الحسنة وذكر
مناقبه وفضائله وكراماته، وهو يلجأ في ذلك إلى الكثير من موضوعات الأخلاق، إذ يبدو
واضحا من خلال الاطلاع على نصوص المناقب أن موضوع الأخلاق حاضر بقوة.
وختاما يمكن القول إنه
بالرغم من الاختلافات الثقافية للمؤلفين أو في ميولاتهم، إلا أن ذلك لا يؤثر في
ماهية النص المنقبي، إذ نلحظ أن المؤلفين يذوبون معارفهم لخدمة النص المنقبي مهما
كانت طبيعة المجال المعرفي الذي ينهل منه المؤلف.
تعليقات: 0
إرسال تعليق