بداية التصوف وظهور الطرق الصوفية بالمغرب
مثل التصوف المغربي صورة حية ناطقة للتصوف الاسلامي
السني عامة، ولما تركته تظريات التصوف المغربي من أثار عميقة في الفكر الصوفي
المشرقي، وتاريخ الحركة الصوفية لا يشمل الجانب الثقافي والروحي فحسب بل يتجاوزه
الى الجانب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك كان للتصوف المغربي أثر كبير في
توجيه وتغيير كافة أوجه الحياة في تلك المرحلة.
وعلى الرغم من ظهور التصوف في القرن الثاني الهجري
وانتشاره في الشرق العربي إلا ان المجتمع المغربي كان بمعزل عنه ولم يعرفه أهله
كما عرفه اخوانهم المشارقة حتى أوائل القرن الخامس الهجري أو قبله بقليل، وذلك في
عهد المرابطين.
وقد بدأ التصوف المغربي مبنيا على الزهد والتقشف والنسك
وحمل النفس على المجاهدة في الطاعة والوقوف مع ظاهر الشرع دون تغلغل في علوم
المكاشفات والحقائق، لذلك لم يحتدم في المغرب في ذلك العصر صراع بين الفقهاء
والمتصوفة كما حدث في الشرق من قبل، لبعد التصوف المغربي عما يخالف ظاهر الشريعة
من منظور الفقهاء.
في منتصف القرن الخامس الهجري دخلت بعض كتب التصوف
للمغرب وفوجئ العلماء في آواخر هذا القرن بكتاب إحياء علوم الدين للامام الغزالي،
ووجدوا فيه الكثير مما لم يألفوه فثاروا عليه وأمروا باحراقه وتحريم قرائته، وكان
هذا الحادث من أهم عوامل تدهور واضطراب دولة المرابطين وانتشر الظلم ونشبت فتن
أهلية لم تهدأ إلا باضمحلال دولة المرابطين وسقوطها على يد المهدي بن تومرت مؤسس
دولة الموحدين.
وقد قسم علال الفاسي زمن التصوف في المغرب إلى أربعة
عصور: العصر الأول يتمثل في عهد أبي مدين، والعصر الثاني امتد من أبي مدين وعبد
السلام بن مشيش في آواخر القرن الخامس والسادس إلى زمن الشاذلي في القرن السابع
الهجري، والعصر الثالث من زمن الشاذلي الى عهد الجزولي من القرن السابع الى التاسع
الهجري، اما العصر الرابع فمن عهد الجزولي إلى يومنا هذا من القرن التاسع الى
الرابع عشر الهجري.
وفي آوائل الثامن الهجري مال التصوف المغربي الى الركود
ثم بزغ فجأة في حركة شعبية قادها أبو الحسن الشاذلي، وفي آواخر هذا القرن اتخذ
التصوف شكلا تنظيميا تمثل في طرق وطوائف، وأقام المتصوفة لأنفسهم خلوات من أجل
العبادة، وخلال هذا القرن تم تلاصق بين معظم الزوايا بالمغرب والطريقة الناصرية
إذا كانت هذه الأخيرة في هذه الفترة تمثل التنظيم القومي الاكثر أهمية، وفي القرن
الثاني والثالث عشر الهجري انتثقت العديد من الطرق الصوفية، كالقادرية والشاذلية
والجزولية والتيجانية والدرقاوية.... بمجهودات بعض مشايخ الطرق، وأصبحت الطرقية
ملجأ عاما.
وتعد الشاذلية من آوائل الطرق الصوفية التي أدخلت التصوف
الى بلاد المغرب، وقد كانت من أبرز دعاتها العربي الدرقاوي، كما كان للدرقاوية دور
فعال في مقاومة الغزو الفرنسي، ومنذ نشأة هذه الطرق أصبحت الزوايا الكبرى تحتل
المقام الأول من اهتمام المريدين والاتباع، فهذه الطرق تمثل مراكز وجماعات للدعوة
الاسلامية وقد امتلأت بالعديد من الدعاة الذين بلغوا قدرا كبيرا في العلم
والمعرفة، فمن خلال ما ذكرناه نكون قد سلطنا الضوء على البدايات الأولى للتصوف
والطرق الصوفية في المغرب.
تعليقات: 0
إرسال تعليق